فصل: تفسير الآيات رقم (114- 132)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير ***


تفسير الآيات رقم ‏[‏36- 39‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ‏(‏36‏)‏ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ‏(‏37‏)‏ إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ‏(‏38‏)‏ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا ‏(‏39‏)‏‏}‏

لا يقضي عليهم‏:‏ لا يحكم عليهم بموت ثان‏.‏ يصطرخون‏:‏ يصيحون أشد الصياح للاستغاثة‏.‏

نعمّركم‏:‏ نمهلكم‏.‏ خلائف‏:‏ جمع خليف وهو الذي يخلق من قبله‏.‏

ثم بيّن حال الجاحدين الكافرين وما ينتظرهم من عذاب فقال‏:‏

‏{‏والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا‏}‏

هؤلاء الذين لم يؤمنوا واستمرّوا على عنادهم وجحودهم سيكون مقامُهم في نارِ جهنّم يعذَّبون فيها لا يموتون، ولا يخفف عنهم العذاب‏.‏

‏{‏كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ‏}‏ هذا جزاء كل من يكفر‏.‏

وهم من شدة العذاب يستغيثون فيها قائلون‏:‏ ربنا، أخرِجنا من النار حتى نعملَ صالحاً غير الذي كنا نعمله في الدنيا، فيقول لهم‏:‏

‏{‏أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ‏}‏

ألم نمكّنكم من العمل ونُطِلْ أعماركم زمنا يمكن فيه التدبر لِمَنْ يريد ذلك‏؟‏ لقد جاءكم الرسول يحذّركم من هذا العذاب‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ فذوقوا في جهنم جزاء ظُلمكم ومخالفتكم للانبياء في حياتكم الدنيا‏.‏ ‏{‏فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ‏}‏‏.‏

ان الله مطلع على كل غائب في السموات والأرض، لا يغيبُ عن علمه شيء، ولو أجابكم وأعادكم الى الدنيا لعُدتم الى ما نهاكم عنه ‏{‏إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور‏}‏‏.‏

والله هو الذي جعل بعضكم يخلُفُ بعضاً في تعمير الأرض وتثميرها، فمن كفر بالله فعليه وِزْرُ كفرِه، ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم الا مقتا وبغضا‏.‏

قراءات‏:‏

قرأ ابو عمرو وحده‏:‏ كذلك يجزي كل كفور بضم الياء وفتح الزاي‏.‏ والباقون‏:‏ نجزي بفتح النون وكسر الزاي‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏40- 43‏]‏

‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا ‏(‏40‏)‏ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ‏(‏41‏)‏ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا ‏(‏42‏)‏ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ‏(‏43‏)‏‏}‏

أرأيتم‏:‏ أَخبروني‏.‏ ام لهم شِرك‏:‏ ام لهم شركة‏.‏ يمسك‏:‏ يحفظ‏.‏ جهد ايمانهم‏:‏ بالغو في ايمانهم‏.‏ نفورا‏:‏ تباعد‏.‏

أخبِروني ايها المشركون عن شركائكم الذين تعبدونهم من دون الله، ماذا خلقوا‏؟‏ ألهم شركة مع الله في خلق السموات‏؟‏ أم أعطيناهم كتابا ينطق بأنّا اتخذناهم شركاءَ، فهم على حجة ظاهرة من ذلك الكتاب

‏{‏بَلْ إِن يَعِدُ الظالمون بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً‏}‏

ان وعد بعضهم لبعض أن الآلهة التي يعبدونها من دون الله ستشفع لهم- هو كذب وغرور‏.‏

ان الله يحفظ السمواتِ من الخلل او من الزوال، بنظام دقيق‏.‏ ولو انها زالت لما كان هناك احد في الكون يمنعها الا الله‏.‏

‏{‏إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً‏}‏ يحلم وينظِر، ويؤجّل ولا يعجّل، ويستر ويغفر‏.‏

‏{‏وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ‏}‏

أقسم المشركون بالله باغلظ الايمان، وبالغوا فيها اشد المبالغة، لئن جاءهم رسول ينذرهم ليكونُنّ اكثر هداية من كل امة من الأمم التي خلت من قبلهم‏.‏

‏{‏فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً‏}‏

فلما جاءهم رسول منهم ينذرهم ما زادهم مجيئه وانذارُه ونصحه الا نفورا عن الحق‏.‏ ‏{‏استكبارا فِي الأرض وَمَكْرَ السيئ وَلاَ يَحِيقُ المكر السيئ إِلاَّ بِأَهْلِهِ‏}‏

لقد نفروا استكبارا في الأرض وأنفة من الخضوع للرسول الكريم وللدينِ الذي جاء به، ومكروا مكرا سيئا، ولا يحيط شرر المكر السيء الا بأهله الذين دبروه‏.‏

‏{‏فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَحْوِيلاً‏}‏

هل ينتظر هؤلاء المشركون الا ما جرت به سنّة الله في الذين سبقوهم، وسنّةُ الله في معاملة الأمم لن تتبدل، ولن تتحول‏.‏

قراءات‏:‏

قرأ ابن كثير وابو عمرو وحفص‏:‏ على بينة بالافراد والباقون‏:‏ على بينات بالجمع‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏44- 45‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ‏(‏44‏)‏ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ‏(‏45‏)‏‏}‏

الدابة‏:‏ كل حيوان يدب على الأرض بما فيه الانسان‏.‏

أوَلَم يَسِرْ هؤلاء المشركون أثناء رضحلاتهم الى الشام ويروا الأرض التي اهلكنا فيها أهلَها بكفرهم وجعلناهم مثلاً لمن بعدهم‏.‏ لقد كان أولئك أقوى منهم واغنى فلم تمنعهم قوتهم من عذاب الله‏.‏

‏{‏وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً‏}‏

وهذا تهديدٌ لهم أنهم إذا ساروا على تمرّدِهم وعنادهم فمصيرهم مصيرُ منسبقَهم، وان هذا سهلٌ عليه، ولا يُعجِزه شيء يريده في هذا الكون الكبير كله‏.‏

ولو يؤاخذ الله الناس بما يكسبونه من آثام وما يجرّونه على أنفسهم من الفتن، ما تَرَكَ على ظهر الأرض دابةً تدبّ عليها، ولكنه يؤخرهم الى يوم الحساب والجزاء، فإذا جاء موعدُهم هذا فسيجازيهم بكل ما عملوا ولا يفلِتُ من حسابه احد، إنه باعمال عباده بصير لا يخفى عليه شيء‏.‏

سورة يس

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 12‏]‏

‏{‏يس ‏(‏1‏)‏ وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ ‏(‏2‏)‏ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ‏(‏3‏)‏ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ‏(‏4‏)‏ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ‏(‏5‏)‏ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ‏(‏6‏)‏ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ‏(‏7‏)‏ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ‏(‏8‏)‏ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ‏(‏9‏)‏ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ‏(‏10‏)‏ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ‏(‏11‏)‏ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ‏(‏12‏)‏‏}‏

صراط مستقيم‏:‏ طريق قويم من عقائد صحيحة وشرائع حقة‏.‏ حق القول‏:‏ ثبت القول‏.‏ الأغلال‏:‏ واحدها غُل بضم الغين، وهوما تشد به اليد الى العنق للتعذيب‏.‏ قمح الغلُّ الأسير‏:‏ ضاق على عنقه فاضطره الى رفع رأسه‏.‏ فمعنى فقمحون‏:‏ رفعوا رؤوسهم وغضوا ابصارهم من الذل‏.‏ من بين ايديهم‏:‏ من امامهم‏.‏ فأغشيناهم‏:‏ غطينا ابصارهم وجعلنا على اعينهم غشاوة‏.‏ الذِكر‏:‏ القرآن‏.‏ ما قدّموا‏:‏ ما عملوا من الأعمال‏.‏ وآثارهم‏:‏ ما أبقوه من الحسنات او السيئات‏.‏ في امام مبين‏:‏ في أصلٍ يؤتمّ به‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يس‏:‏ تُلفظ ياسين‏.‏ من الحروف التي ابتدئت بها بعض السور، وتقدّم الكلامُ عليها، وقال بعضهم‏:‏ معناها‏:‏ يا إنسان، او الحكيم‏.‏ وشاع عند الناس أنها اسم للرسول الكريم، وسمّوا بها‏.‏ أقسم الله تعالى بالقرآن الكريم أنك أيها الرسول الكريم من المرسَلين الذين أرسلهم لهداية الناس الى دين قويم، وشرع مستقيمٍ من التوحيد ومكارم الأخلاق‏.‏ وذلك لتنذِرَ قوماً لم يأتِهم نذير قبلك، فهم غافلون عما يجب عليهم وفي غفلة ساهون‏.‏

‏{‏لَقَدْ حَقَّ القول على أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ‏}‏

لقد وجب العقاب على أكثرِهم لعدم إيمانهم‏.‏

‏{‏إِنَّا جَعَلْنَا في أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ مرتفعة إلى أذقانِهم، ولذلك ترى رؤوسَهم مرتفعة مشدودةً الى الوراء، لا يستطيعون ان يطأطئوها‏.‏ وجعلنا أمامهم سدّا ومن خلْفِهم سدّا فهم محبوسون في سِجن الجهالة، وغطينا على أعينِهم فهم لا يُبصرِرون‏.‏ وإن إنذارَك لهم وعدَمه سوء، فهم لا يؤمنون‏.‏

انما تنذرُ من اتبع القرآنَ، وخشي الله في سريرته، فبشِّره بمغفرةٍ من الله وأجرٍ كريم‏.‏

‏{‏إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الموتى‏}‏ ونسجل عليهم ما قدّموا من الأعمال الحسنة والسيئة‏.‏

‏{‏وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ في إِمَامٍ مُّبِينٍ‏}‏ في اللوح المحفوظ‏.‏

قراءات

قرأ حمزة والكسائي وروح وابو بكر‏:‏ يس بإمالة الياء‏.‏ وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص‏:‏ تنزيلَ بفتح اللام، والباقون‏:‏ تنزيلُ بالضم‏.‏ وقرأ حمزة والكسائي وحفص‏:‏ سَدّا بفتح السين‏.‏ والباقون‏:‏ بضمّها، وهما لغتان‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏13- 27‏]‏

‏{‏وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ‏(‏13‏)‏ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ‏(‏14‏)‏ قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ‏(‏15‏)‏ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ‏(‏16‏)‏ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ‏(‏17‏)‏ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏18‏)‏ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ‏(‏19‏)‏ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ‏(‏20‏)‏ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ‏(‏21‏)‏ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ‏(‏22‏)‏ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ ‏(‏23‏)‏ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏24‏)‏ إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ‏(‏25‏)‏ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ‏(‏26‏)‏ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ‏(‏27‏)‏‏}‏

ضربُ المثل‏:‏ تشبيه حالٍ غريبة بأخرى مثلها‏.‏ القرية‏:‏ يقول كثير من المفسرين انها انطاكية، والرسل غير معروفين ولم يردْ خبر صحيح عنهم‏.‏ فعزّزنا بثالث‏:‏ فقويناهم بثالث‏.‏ البلاغ المبين‏:‏ التبليغ الواضح‏.‏ تطيّرنا‏:‏ تشاءمنا بكم‏.‏ لنرجُمنكم‏:‏ لنرمينكم بالحجارة‏.‏ طائركم معكم‏:‏ شؤمكم معكم‏.‏ ائن ذكِّرتم‏:‏ أئن وُعظتم بما فيه سعادتكم تتشاءمون بنا‏!‏ مسرفون‏:‏ مجازون الحد في العصيان‏.‏ لا تغني‏:‏ لا تنفع‏.‏ ولا يُنقِذون‏:‏ ولا يخلصونني‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يذكّرهم الله تعالى بقومٍ مثلهم في الكفر والعناد والإصرار على التكذيب، فيقول‏:‏ اذكر لقومك أيها النبي قصةَ أهل قريةِ انطاكية لمّا أرسلنا إليهم الرسلَ لهدايتهم‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ أرسلنا اليهم رسولَين اثنين، فكذّبوهما، فوّيناهما بثالثٍ وقالوا لهم‏:‏ لقد أرسلَنا الله إليكم، فقال اهل القرية لهم‏:‏ ما أنتم الا بشرٌ مثلنا وليس لكم علينا مَزِية، وما أنزل الرحمنُ إليكم شيئا، ولا أمَرَكم بشيء، وما انتم الا كاذبون‏.‏

قال الرسل مؤكدين رسالتهم‏:‏ الله يعلم أنّا رسُلُه اليكم، وما علينا الا ان نبلّغكم رسالته‏.‏‏.‏‏.‏ وقد فعلْنا‏.‏

فقال اهل القرية مهدِّدين‏:‏ إنّا تشاءمنا بكم، لئن لم تتركوا ما تقولون قتلْناكم رجماً بالحجارة ولحِقَكم منا عذابٌ شديد‏.‏

فقال الرسل لهم‏:‏ ‏{‏طَائِرُكُم مَّعَكُمْ‏}‏ شؤمُكم معكم ‏{‏أَإِن ذُكِّرْتُم‏؟‏‏}‏ بمعنى‏:‏ أئن وُعظتم بما فيه سعادتكم تتشاءمون بنا‏؟‏ فخبر «أئن ذُكرتم» محذوفٌ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

‏{‏بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ‏}‏ بالبغي والعناد والكفر‏.‏

وفي هذه الأثناء يأتي رجلٌ مؤمن من أقصى أطراف المدينة مسرعاً لينصح قومه حين بلغه أنهم عقدوا النية على قتل الرسل‏.‏

‏{‏قَالَ ياقوم اتبعوا المرسلين اتبعوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ‏}‏

بعد ذلك بيّن لهم ذلك الساعي انه ما اختار لهم الا ما اختار لنفسه فقالك وأيَّ شيء يمنعني ان أعبدَ الذي خلقني ‏{‏وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏}‏‏.‏ وكيف أعبد آلهة لا تفيدني شفاعتُهم شيئاً إن أرادني الله بسوء، ‏{‏وَلاَ يُنقِذُونَ‏}‏ ولا يخلصونني من أي سوء‏!‏ اذا فعلت ذلك فأنا في ضلال مبين‏.‏

ثم التفت الى الرسل وخاطبهم بما يثبت ايمانه بالله فقال‏:‏

‏{‏إني آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فاسمعون‏}‏ اشهدوا لي بذلك عنده‏.‏

‏{‏قِيلَ ادخل الجنة قَالَ ياليت قَوْمِي يَعْلَمُونَ‏}‏ بغفران ربّي لي وإكرامه إياي، فيؤمنون كما آمنت‏.‏ إنه يتمنى لو يرى قومُه ما اعطاه الله من الرضى والكرامة لعلهم يؤمنون‏.‏

قراءات

قرأ ابو بكر‏:‏ فعززنا بفتح الزاي الأولى من غير تشديد‏.‏ والباقون بالتشديد‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏28- 36‏]‏

‏{‏وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ ‏(‏28‏)‏ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ‏(‏29‏)‏ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ‏(‏30‏)‏ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ‏(‏31‏)‏ وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ‏(‏32‏)‏ وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ‏(‏33‏)‏ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ‏(‏34‏)‏ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ‏(‏35‏)‏ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏36‏)‏‏}‏

الجند‏:‏ الملائكة‏.‏ خامدون‏:‏ ميتون‏.‏ الحسرة‏:‏ شدة التلهف والحزن‏.‏ ويقال‏:‏ واحسرتا، ويا حسرتا‏.‏ محضَرون‏:‏ للحساب والجزاء‏.‏ من القرون‏:‏ من اهل القرون القديمة‏.‏ الازواج‏:‏ الأصناف‏.‏

وما انزلنا على قوم ذلك المؤمنِ جندا من السماء نهلكهم على أيديهم‏.‏ إن أمْرَهم كان أهونَ من لذلك، وما تحمَّلوا إلا صيحة واحدة فاذا هم أمواتٌ لا حراك بهم‏.‏

‏{‏ياحسرة عَلَى العباد‏}‏ تُتاح لهم فرصة النجاة فيُعرِضون عنها، وما نبعث إليهم برسولٍ إلا كانوا به يستهزئون‏.‏

ألم يروا مصارع الهالكين قبلهم من أهل القرون الغابرة ويدركون أنهم لا يرجعون على مدار السنين وتطاول القرون‏!‏‏!‏ لقد كان في هذا عظةً لمن يتدبّر‏.‏

ولكن الله تعالى لا يتركه يفتلون من الحساب‏.‏

‏{‏وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ‏}‏

ذلك يوم القيامة‏.‏ والدليل على قدرتنا على البعث والنشور تلك الأرض المجدبة، نحييها بانزال الماء عليها ونخرج منها حَباً يأكلون منه، كما نُنشئ فيها حدائق وبساتين من نخيل وأعناب، ونجعل فيها أنهاراً وعيونا من الماء العذب الصافي ‏{‏أَفَلاَ يَشْكُرُونَ‏}‏ خالقَ هذا النعم‏؟‏

سبحان الذي خلق هذا الخلْقَ العظيم، من أزواج على سُنّة الذكورةِ والأنوثة، وخَلَقَ أنواعَ الكائنات مما تنبت الأرض ومن الأنفس، وخَلَقَ ما نعلم، وفيه الدليل الكبير على عظيم قدرته تعالى‏.‏

قراءات

قرأ عاصم وابن عامر وحمزة‏:‏ وان كل لمّا بتشديد الميم‏.‏ والباقون‏:‏ لما بفتح الميم دون تشديد‏.‏ وقرأ نافع‏:‏ الأرض المِّيتة بتشديد الياء‏.‏ والباقون‏:‏ المْيتة باسكان الياء‏.‏ وقرأ الكوفيون‏:‏ ما عملتْ ايديهم، الا عاصما‏:‏ ما عملته أيديهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏37- 44‏]‏

‏{‏وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ‏(‏37‏)‏ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ‏(‏38‏)‏ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ‏(‏39‏)‏ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ‏(‏40‏)‏ وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ‏(‏41‏)‏ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ‏(‏42‏)‏ وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ ‏(‏43‏)‏ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ‏(‏44‏)‏‏}‏

نسلخ منه النهارَ‏:‏ نزيل النهار منه ونضع الليل مكانه‏.‏ مظلِمون‏:‏ داخلون في الظلام‏.‏ قدّرناه منازل‏:‏ جمعُها منزلة، وعددها اثنتا عشرة منزلة‏.‏ العُرجُون‏:‏ العنقود من النخلة الذي يحمل الرطب‏.‏ لا ينبغي لها‏:‏ لا يتيسر لها‏.‏ أن تدرك القمر‏:‏ ان تجتمع معه في وقت واحد‏.‏ وكل في فلكٍ يسبحون‏:‏ كل هذه الاجرام يسبح في فلك عظيم واسع‏.‏ الفُلك‏:‏ السفينة‏.‏ المشحون‏:‏ المملوء‏.‏ فلا صريخَ لهم‏:‏ فلا مغيث لهم‏.‏

من آيات الله وبديع صُنعه تعاقبُ الليل والنهار، فالليلُ يسلخ من النهار والنهار يسلخ من الليل، نتيجةً لدوران الأرض حول محورها من الغرب الى الشرق، فتشرق الشمس على بعض الآفاق فيكون عندهم نهار، وتغيب عن البعض الآخر بانتظام فيكون عندهم ليل‏.‏ وإنها لَظاهرة فلكية عظيمة الأهمية في حياة لاجنس البشري وكافة الأحياء على هذه الارض‏.‏

والشمس تسير الى مستَقّرٍ لهان بقدرة الله العزيز العليم‏.‏ وقد ثبت للعلماء أخيراً ان للمشس دورتين‏:‏ احداهما حول محورها مرة في كل ستة وعشرين يوما تقريبا، والثانية دورانها مع كل توابعها من الكَواكب السيارة واقمارها حول مركز النظام النجومي بسرعة تقدَّر بنحو مائتي ميل في الثانية‏.‏ والشمس واحدة من ملايين النجوم التي تكوّن النظام النجومي‏.‏

واذا علمنا ان هاتين الحركتين الحقيقيتين للشمس لم تثبتا بالبرهان العلمي والأرصاد الفلكية إلا حديثاً- أدركنا ما في هذه الآية الكريمة من إعجاز عظيم‏.‏

‏{‏والقمر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حتى عَادَ كالعرجون القديم‏}‏

وجعلْنا سير القمر منازل، وهي ثمانية وعشرون منزلا ينزل في كل واحد منها كل ليلة، إذ يبدو في اول الشهر هلالاً ضئيلا، ثم يزداد ليلة بعد ليلة الى ان يكتمل بدراً، ثم يأخذ في النقصان حتى يعود ضئيلاً مثل عُرجون النخلة‏.‏ ثم يستتر ليلتين، او ليلة اذا نقص الشهر‏.‏

والمنازل هي‏:‏ السرطان، البطين، الثريا، الدبرَان، الهقعة، الهنعة، الذراع المقبوضة، النثرة، الطرف، جبهة الأسد، الزبرة، الصرفة، العواء، السماك الأعزل، الغفر، الزبانى الاكليل، قلب العقرب، الشولة، النعائم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الاخبية، الفرغ المقدم، الفرغ المؤخر، بطن الحوت‏.‏

لا الشمسُ يمكنها أن تخرج عن هذا النظام البديع فتلحقَ بالقمر وبينهما مسافة هائلة، ولا الليل يتأتى له ان يغلب النهار ويحول دون مجيئه، بل هما متعاقبان، وكل من الشمس والقمر والكواكب والنجوم يَسْبَحون في هذا الكون الفسيح بنظام دقيق عجيب‏.‏

ومن آيات الله وقدرته ان هيّأ للناس البحرَ يركبونه في السفن المشحونة بالبضائع تجري فيه لمصلحتهم، و‏{‏وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ‏}‏ من الابل والخيل وغيرها من الحيوانات المسخّرة لأمر الانسان، وكذلك في عصرنا الحضر جميع انواع المواصلات في البحر والبر والجو‏.‏

ثم بين لطفه بعباده حين ركوبهم تلك السفن وغيرها فقال‏:‏

‏{‏وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ‏}‏

كل هذه الوسائل تسير بتقديرِنا وبأمرنا، ولو أردْنا إغراقهم فليس لهم مغيث، ولا هم يَنْجُون من الهلاك، ولكن تشملهم رحمتُنا فيتمتعون بلذات الحياة الدنيا الى اجل مقدر‏.‏

قراءات

قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو وروح‏:‏ والقمرُ قدرناه برفع القمر، والباقون بالنصب‏.‏ قرأ نافع وابن عامر ويعقوب‏:‏ ذرياتهم بالجمع، والباقون ذريتهم بالافراد‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏45- 54‏]‏

‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ‏(‏45‏)‏ وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ‏(‏46‏)‏ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏47‏)‏ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏48‏)‏ مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ‏(‏49‏)‏ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ‏(‏50‏)‏ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ‏(‏51‏)‏ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ‏(‏52‏)‏ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ‏(‏53‏)‏ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ‏(‏54‏)‏‏}‏

ما بين ايديكم‏:‏ ما جرى للأمم السابقة‏.‏ وما خلفكم‏:‏ عذاب الآخرة‏.‏ يخصِّمون‏:‏ بكسر الصاد المشددة، يتخاصمون‏.‏ الاجداث‏:‏ جمع جدث، القبر‏.‏ ينسِلون‏:‏ يخرجون من قبورهم‏.‏ من مرقدنا‏:‏ من مكان نومنا، كأنهم كانوا نانئمين في قبورهم‏.‏

واذا قيل لهؤلاء المكذّبين‏:‏ خافوا ان يصيبكم مثلُ ما جرى للأمم الماضية بتكذيبهم الرسل، وخافوا عذاب الآخرة لعلّ الله يرحمكم- أعرضوا وولّوا مستكبرين‏.‏

ولا تجيئهم حجة من حجج الله الدالة على وحدانيته الا كانوا عنها منصرفين‏.‏ أما اذا قيل لهم أنفِقوا على الفقراء والمحتاجين مما رزقكم الله، قالوا للمؤمنين‏:‏ أتطلبون منا ان نطعم من لو أراد الله إطعامه لفعل‏!‏‏؟‏ انكم حقا في ضلال مبين‏.‏

ويقول الكافرون مستهزئين‏:‏ متى يحصل هذا البعث الذي تعدوننا به‏!‏

‏{‏مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ‏}‏

ستأتيهم الساعة بغتة، وما ينتظرون الا صوتاً واحداً يقضي عليهم بغتة، وهم يتنازعون في شئون الدنيا غافلين عن الآخرة‏.‏

ثم بين الله سرعة حدوثها وأنها كلمح البصر او هي اقرب فقال‏:‏

‏{‏فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ‏}‏ يومذاك لن يوصوا في اموالهم بشيء، ولن يرجعوا الى أهلهم‏.‏

وقد رويت في ذلك احاديث كثيرة تبين هول ذلك الموقف‏.‏

ثم بين الله أنهم بعد موتهم يُنفخ في الصور النفخةَ الثانية، نفخةَ البعث من القبور فقال‏:‏

‏{‏وَنُفِخَ فِي الصور فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ‏}‏

وبعد النفخة الثانية يخرجون من قبورهم مسرعين الى الله‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وكل هذه المواقف من الحياة الاخرى لا نعلم عن حقيقتها شيئا الا ما ورد في القرآن الكريم‏.‏

ثم بيّن الله تعالى انهم يعجبّون حين يرون انفسهم قد خرجوا من قبورهم للبعث فيقولون‏:‏

‏{‏قَالُواْ ياويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا‏؟‏‏}‏

فيقال لهم‏:‏

‏{‏هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ لَقد صدقَ المرسولن فيما أخبروا عنه‏.‏

ثم تأتي الصيحة الأخيرة‏:‏

‏{‏فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ‏}‏

ويقف الجميع صفاً صفا منتظمين منتظرين حسابهم وجزاءهم، وعند ذلك يعلن القرار‏:‏

‏{‏فاليوم لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏

فيذهب اهل الجنة الى الجنة، واهل النار الى النار، ويلقى كلٌّ جزاءه بالعدل‏.‏

قراءات

قرأ ابن عامر وعاصم والكسائي‏:‏ يَخِصّمون بفتح الياء وكسر الخاء والصاد المشددة‏.‏ وقرأ ابن كثير وابو عمرو‏:‏ يَخَصمون‏:‏ بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد المكسورة‏.‏ وقرأ نافع‏:‏ يخْصّمون‏:‏ باسكان الخاء وتشديد الصاد وبهذا يكون جمع بين ساكنين‏.‏ وفي المصحف الذي طبعه الملك الحسن في المغرب يَخَصّمون بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد المسكورة‏.‏ وقرأ حمزة‏:‏ يخْصِمون‏:‏ باسكان الخاء وكسر الصاد بدون تشديد‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏55- 68‏]‏

‏{‏إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ‏(‏55‏)‏ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ ‏(‏56‏)‏ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ ‏(‏57‏)‏ سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ‏(‏58‏)‏ وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ‏(‏59‏)‏ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ‏(‏60‏)‏ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ‏(‏61‏)‏ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ‏(‏62‏)‏ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ‏(‏63‏)‏ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ‏(‏64‏)‏ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ‏(‏65‏)‏ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ‏(‏66‏)‏ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ ‏(‏67‏)‏ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ‏(‏68‏)‏‏}‏

في شغل‏:‏ في شأن كبير من المسرة والنعيم‏.‏ فاكهون‏:‏ مرحون في عيش ناعم‏.‏ ظلال‏:‏ جمع ظل وهو الفيء‏.‏ الأرائك‏:‏ جمع أريكة، وهي كل ما استراح عليه الانسان من مقعد وسرير او فراش او منصة‏.‏ ما يدّعون‏:‏ ما يطلبون‏.‏ امتازوا‏:‏ انفرِدوا وابتعدوا عن المؤمنين‏.‏ الم أعهد‏:‏ ألم أوصِ، الم اعرض ما فيه الخير‏.‏ جبلاّ كثيرا‏:‏ خلقا كثير‏.‏ اصلَوها‏:‏ ادخلوها، ذوقوا حرها‏.‏ لطمسنا على أعينهم‏:‏ لأعميناهم‏.‏ فاستبقوا لاصراط‏:‏ تسابقوا الى الطريق المألوف‏.‏ لمسخناهم‏:‏ لغيرنا صورهم الى أقبح صورة‏.‏ على مكانتهم‏:‏ في اماكنهم‏.‏ نعمّره‏:‏ نطل عمره‏.‏ ننكّسه في الخلق‏:‏ نردّه من القوة الى الضعف حتى يردّ الى أرذل بعد انتها الحساب يذهب كلٌّ الى مقرة الأخير، أهل الجنة الى الجنّة وغيرهم الى النار‏.‏

ويحدّثنا القرآن عما هم فيه نم نعيم ملتذون فيه متفكهون، هم وازواجهم في ظِلال مستطابةٍ على الفُرش والأرائك متكئون، لهم في جنّتهم فاكهة ولهم كل ما يطلبون ويشتهون، ولهم فوق كل هذه اللذائذ والمتع تكريم من الله ويقال لهم‏:‏ ‏{‏سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ‏}‏‏.‏

اما اصحاب الجحيم فعلى العكس من ذلك فانهم يلقون التحقير والاهانة، ويقال لهم‏:‏

‏{‏وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون‏}‏

أبعِدوا عن المؤمنين، وادخلوا جهنم، ألم أُوصِكم يا بني آدم ان لا تطيعوا الشيطان‏؟‏ إنه لكم عدو ظاهر العداوة يوردكم موارد الهلاك‏.‏

‏{‏وَأَنِ اعبدوني هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ‏}‏‏.‏

اطيعوني، فإن طاعتي هي التي توصلكم الى الطريق المستقيمة‏.‏ لقد بيّنتُ لكم ذلك فلم تحذَروا عدوكم الذي اضل منكم أجيالا كثيرة ‏{‏أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ‏}‏ حين أطعتموه‏!‏ اذهبوا الى مصيركم المحتوم‏.‏

‏{‏هذه جَهَنَّمُ التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ‏}‏

ادخولها وقاسوا حرّها واحترقوا يها بسبب كفركم وجحودكم‏.‏

ثم بين الله تعالى ان جوارحهم تشهد عيلهم، وذلك بمشهد عجيب‏.‏

‏{‏اليوم نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ‏}‏

اليوم تُلجَم أفواههم فلا ينطِقون، وتتكلم جوارحهم بما اقترفته‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ويا له من موقف رهيب مخيف‏.‏

‏{‏وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ فاستبقوا الصراط فأنى يُبْصِرُونَ‏}‏

ولو نشاء لعاقبناهم على كفرهم فطمسْنا على أعينهم فصيّرناهم عمياً لا يبصرون طريقا ولا يهتدون‏.‏ ولو اردنا لغيّرنا صورهم وحولناهم الى تماثيل جامدة ‏{‏فَمَا استطاعوا مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ‏}‏ بل يبقون في اماكنهم جامدين‏.‏

‏{‏وَمَن نّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الخلق أَفَلاَ يَعْقِلُونَ‏!‏‏}‏

ومن يُطِل الله عمره يَخْرَفُ وينتكس بعد شبابه وعقله الى ضَعفٍ وخَرَفٍ وهزال‏.‏ افلا يعلمون ان الدنيا دارُ فناء وان الآخرة دار البقاء‏!‏‏.‏

قراءات‏:‏

قرأ ابو عمرو ونافع وابن كثير‏:‏ في شغْل باسكان الغين، والباقون‏:‏ في شغُل بضم الشين والغين وهما لغتان‏.‏ وقرأ ابو جعفر‏:‏ فكِهون بكسر الكاف بدون الف بعد الفاء‏.‏ والباقون‏:‏ فاكهون‏.‏ قرأ حمزة والكسائي‏:‏ في ظلل جمع ظلة، والباقون‏:‏ في ظلال‏.‏ قرأ نافع وعاصم وابو جعفر‏:‏ جِبلاّ بكسر الجيم والباء وتشديد اللام‏.‏ وقرأ حمزة والكسائي وخلف ورويس‏:‏ جُبلا بضم الجيم والباء وتخفيف اللام‏.‏ وقرأ ابو عمرو وابن عامر‏:‏ جُبْلا بضم الجيم وسكون الباء، وهذه كلها لغات معناها واحد‏.‏ وقرأ ابو بكر‏:‏ على مكاناتهم بالجمع، والباقون‏:‏ على مكانتهم بالافراد‏.‏ وقرأ عاصم وحمزة‏:‏ نُنَكسه بضم النون الاولى وفتح الثانية وكسر الكاف المشددة‏.‏ والباقون‏:‏ نُنْكسه بضم النون الاولى واسكان الثانية وكسر الكاف من غير تشديد‏.‏ وقرأ نافع وابن ذكوان ويعقوب‏:‏ افلا تعقلون بالتاء، والباقون‏:‏ افلا يعقلون بالياء‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏69- 70‏]‏

‏{‏وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ ‏(‏69‏)‏ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ‏(‏70‏)‏‏}‏

ما ينبغي‏:‏ لا يليق به ولا يصح له‏.‏ ذِكر‏:‏ عظة من الله‏.‏ حيّا‏:‏ حي القلب مستنير البصيرة‏.‏ يحق القول‏:‏ يجب العذاب‏.‏

‏{‏وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشعر وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ القول عَلَى الكافرين‏}‏‏.‏

وما علّمنا رسولَنا الشعر ولا يليق به لمكانته ومنزلته ان يكون شاعرا، وما هذا القرآن الا كتاب عظةٍ وآداب وأخلاق وتشريع، فيه سعادة البشر في دنياهم وأخراهم فلا مناسبة بينه وبين الشعر، لينذر من كان حيَّ القلب مستنير العقل، وتجبَ كلمة العذاب على الكافرين الجاحدين‏.‏

قراءات‏:‏

قرأ أهل المدينة وابن عامر‏:‏ لتنذر بالتاء‏.‏ والباقون‏:‏ لينذر بالياء‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏71- 76‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ‏(‏71‏)‏ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ‏(‏72‏)‏ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ‏(‏73‏)‏ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ ‏(‏74‏)‏ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ‏(‏75‏)‏ فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ‏(‏76‏)‏‏}‏

ركوبهم‏:‏ بفتح الراء، هو ما يركب‏.‏ ذلّلناها لهم‏:‏ سخّرناها لهم‏.‏

الم يشاهد هؤلاء المشركونبالله أنّا خلقنا لهم بقُدْرتنا أنعاماً من الإبل والغنم والبقر فهم لها مالكون يتصرفون فيها كمايشاؤون‏!‏ وسخّرناها لهم فمنها ما يركبون، ومنها ما يأكلون، ولهم فيها ما ينتفعون به من أصوافِها وأوبارِها وأشعارها وجلودها وغير ذلك، ولهم شماربُ من ألبانها ايضاً‏!‏ أيجحدون هذه النعم الكثيرة فلا يشكرون الله عليها‏!‏‏!‏‏.‏ ومع كل هذه النعم اتخذ المشركون آلهة يعبدونها من دون الله، رجاء ان تنصرهم‏!‏ غن هذه الالهة لا تستيطع نصر احد، ولا تقدر ان ترد عن أحدٍ أذى إن أراد الله بهم سوءا‏.‏

‏{‏وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مٌّحْضَرُونَ‏}‏

وهم لسخفهم جنودٌ لهذه الآلهة يحمونها ويذبُّون عنها المهتدين‏.‏

ثم بعد ذلك يسلّي الله رسوله الكريم بقوله‏:‏

‏{‏فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ‏}‏

لا يحزنك قولهم فيك بالتكذيب والافتراء عليك، انا نعلم ما يخفون وما يعلنون، وسيلقون جزاءهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏77- 83‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ‏(‏77‏)‏ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ‏(‏78‏)‏ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ‏(‏79‏)‏ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ‏(‏80‏)‏ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ‏(‏81‏)‏ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ‏(‏82‏)‏ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ‏(‏83‏)‏‏}‏

أولم ير‏:‏ أولم يعلم‏.‏ الخصم‏:‏ الشديد الخصومة والجدل‏.‏ رميم‏:‏ البالي من كل شيء‏.‏ ملكوت‏:‏ الملك التام، كالجبروت والرحموت‏.‏

في آخر هذه السورة الكريمة يَرِدُ ختامها بالأدلة على قدرة الله تعالى على إعادة الخلق، فانه تعالى خَلَق للانسان النعمَ التي لا تحصَى ليشكر، فكفر وجحد‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ألا يَستدل من أنكرَ البعثَ بسهولة المبدأ‏!‏ وأنا خلقناه من العدَم من شيء لا يُرى بالعين المجردة لصغرها فاذا هو يخاصم ويجادل‏!‏

ثم ضرب مثلا ينكر به قدرتنا على إحياء العظام بعد ان تبلى، ونسيَ أنا خلقناه من العدم‏!‏‏.‏‏.‏‏.‏

‏{‏قَالَ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ‏}‏

قال مجاهد وعكرمة وعمرو بن الزبير وقتادة‏:‏ «جاء أُبَيّ بن خلق ‏(‏وهو من كبار مشركي مكة‏)‏ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي يده عظم يفتُّه بيده ويذروه في الهواء ويقول‏:‏ أتزعم يا محمد ان الله يبعث هذا‏؟‏ فقال الرسول الكريم‏:‏» نعم، يُميتك الله ثم يبعثك ثم يحشُرك الى النار «ونزلت هذه الآية‏.‏

ثم أمر الله تعالى رسوله الكريم ان يقول لهم‏:‏

‏{‏قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ‏}‏

فالذي خلق هذا الخلق من البدء قادرٌ على إحيائه بعد موته‏.‏

ثم ذكر دليلاً ثانيا يبطل إنكارهم فقال‏:‏

‏{‏الذي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشجر الأخضر نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ‏}‏

ان من جعل لنا النار من الشجر الأخضر قادرٌ على ما يريد، لا يمنعه شيء‏.‏

ثم جاء بدليل ثالث على قدرته أعجبَ من سابقَيه فقال‏:‏

‏{‏أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بِقَادِرٍ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بلى وَهُوَ الخلاق العليم‏}‏

فإن خلْقَ هذا الكون الكبير العجيب لهو أعظمُ واكبر من خلق الانسان واعادته، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 57‏]‏‏.‏

ثم بين ما هو كالنتيجة لما سلف من تقرير واسع قدرته، واثبات عظيم سلطانه فقال‏:‏

‏{‏إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ‏}‏‏.‏

فالله سبحانه وتعالى يخلق كل ما يريد بلا كلفة ولا جهد، وليس هناك صعوبة، وليس هناك قريب ولا بعيد، فعندما يأمر بالشيء يكون بلا توقف ولا تردد‏.‏

وعندما اثبت لنفسه القدرة التامة والسلطة العامة نزّه نفسه عما وصفوه به، فقال‏:‏

‏{‏فَسُبْحَانَ الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏}‏

فتنزيهاً للذي بيدِه مقاليدُ كل شيء، وبقدرته مُلْكُ كل شيءٍ، واليه المرجع والمصير‏.‏

سورة الصافات

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 10‏]‏

‏{‏وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ‏(‏1‏)‏ فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا ‏(‏2‏)‏ فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ‏(‏3‏)‏ إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ ‏(‏4‏)‏ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ ‏(‏5‏)‏ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ‏(‏6‏)‏ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ‏(‏7‏)‏ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ‏(‏8‏)‏ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ‏(‏9‏)‏ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ‏(‏10‏)‏‏}‏

الصافات‏:‏ جماعة الملائكة‏.‏ فالزاجرات‏:‏ من صِفات أعمال الملائكة‏.‏ فالتاليات‏:‏ من صفات أعمالهم ايضاً المشارق‏:‏ مشارق الشمس وجميع الكواكب والنجوم، لن الشمس تشرق كل يوم من جهة، وكذلك المغارب لم يذكرها اكتفاء بتعدُّد المشارق‏.‏ السماء الدنيا‏:‏ اقرب سماءٍ لنا‏.‏ مارد‏:‏ متمرد‏.‏ الملأ‏:‏ الجماعة يجتمعون على رأي، والمراد هنا الملائكة‏:‏ يقذفون‏:‏ يرجمون‏.‏ دحورا‏:‏ طرداً وابعادا‏.‏ واصِب‏:‏ دائم‏.‏ خطف الخطفة‏:‏ أخذ بسرعة على غِرة‏.‏ الشهاب‏:‏ الشعلة من النار، والنجم المضيئ المنقضّ من السماء‏.‏ ثاقب‏:‏ مضئ‏.‏

أقسَم الله سبحانه وتعالى بالملائكة المصطفّين في مقام العبودية، الذين يردعون الناسَ عن الشر، ويتلون آياتِه على الأنبياء أن الله المعبود واحدٌ، لا شريك له، هو رب السموات والأرض وما بينهما، وربّ المشارق والمغارب‏.‏

وانه زيّن السماءَ الدنيا التي نراها بالكواكب وجعل هذه الكواكب حفاظاً للسماء من كل شيطان متمرد، فلا يمكن للشياطين المتمرّدين التسمُّعُ الى ما يجري في عالم الملائكة، واذا أرادوا ذلك رُجموا من كل جانب، وطُردوا طرداً عنيفاً، ولهم عذاب شديدٌ دائم، الا من اختلس الكلمةَ من أخبار السماء فإننا نُتبعه بشهابٍ ثاقب يلحقه فيصيبه ويحرقه حرقا‏.‏

اما كيف يتم هذا كله فإننا لا نعرفه‏.‏‏.‏ فهو من الغيبيات التي تعجز طبيعتنا البشرية عن تصوّر كيفياتها، ونصدّق بها وبما جاء من عند الله‏.‏

قراءات‏:‏

قرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر‏:‏ بزينةِ الكواكب بجر زينة والكواكب مضاف اليه‏.‏ وقرأ ابو بكر‏:‏ بزينةٍ الكواكبَ بنصب الكواكب وجر زينة منونا‏.‏ والباقون‏:‏ بزينةٍ الكواكبِ بتنوين زينة مجردا وخفض الكواكب على البدل‏.‏ وقرأ الكسائي وحمزة وخلف وحفص‏:‏ لا يَسَّمّعون بفتح السين والميم وتشديدهما‏.‏ وقرأ الباقون‏:‏ لا يسمعون باسكان السين وفتح الميم بدون تشديد‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏11- 26‏]‏

‏{‏فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ ‏(‏11‏)‏ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ‏(‏12‏)‏ وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ ‏(‏13‏)‏ وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ‏(‏14‏)‏ وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ‏(‏15‏)‏ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ‏(‏16‏)‏ أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ ‏(‏17‏)‏ قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ ‏(‏18‏)‏ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ ‏(‏19‏)‏ وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ ‏(‏20‏)‏ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ‏(‏21‏)‏ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ‏(‏22‏)‏ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ‏(‏23‏)‏ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ‏(‏24‏)‏ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ‏(‏25‏)‏ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ‏(‏26‏)‏‏}‏

فاستفْهم‏:‏ اسألهم‏.‏ أشد خلْقا‏:‏ أصعب خلقا‏.‏ لازِب‏:‏ لازم ثابت، لاصق‏.‏ اذا ذُكّروا لا يذكرون‏:‏ اذا وُعظوا لا يتعظون‏.‏ آية‏:‏ معجزة‏.‏ يستسخرون‏:‏ يسخرون، يستهزئون‏.‏ داخرون‏:‏ صاغرون‏.‏ زجرة واحدة‏:‏ صيحة واحدة‏.‏ يا ويلنا‏:‏ يا هلاكنا‏.‏ يوم الفصل‏:‏ يوم الحساب بين الناس‏.‏ فاهدوهم‏:‏ دُلّوهم‏.‏ الى صراط الجحيم‏:‏ الى طريق الجحيم‏.‏ قِفوهم‏:‏ احبسوهم في الموقف‏.‏ لا تَناصرون‏:‏ لا تتناصرون، لا ينصر بعضكم بعضا‏.‏

اسأل أيها الرسول هؤلاء المنكرين للبعث‏:‏ أهُمْ اعصبُ خلقاً أم السمواتُ والأرض وما في هذا الكون الكبير‏!‏ لقد خلقنا كل ذلك من لا شيء، وخلقناهم من طين لاصقٍ بعضُه ببعض، فأين هم من خلق هذا الكون العجيب‏!‏

‏{‏بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ‏}‏

بل عجبتَ أيها النبيّ من إنكارهم للبعث وهم يسخَرون من تعجّبك ويستهزئون‏.‏ واذا وُعظوا ودعوا الى عبادة الله لا يتّعظون‏.‏ واذا رأوا برهاناً على قدرة الله بالغوا في السخيرة والاستهزاء وقالوا‏:‏ ما هذا الذينراه إلا سحر ظاهر، وخدجعة من الخدع‏.‏ أئذات مِتنا وصرنا تراباً وعظاماً سنُبعث مرة أُخرى من قبورنا، وكذلك يُبعث آباؤنا الأولون الذين ماتوا من قرون قديمة‏!‏‏؟‏

‏{‏قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ‏}‏

قل لهم ايها النبي‏:‏ نعم ستبعثون جميعا وأنتم أذلاء صاغرون‏.‏ فانما البعثة صيحة واحدة فاذا هم أحياء ينظرون الى ما كانوا يوعدون، وعند ذلك يقولون‏:‏ يا ويلنا هذا هو يوم القيامة الذي يفصَل فيه بين الناس، والذي كنتم به تكذِّبون‏.‏ ويقول الله للملائكة‏:‏ اجمعوا الذين ظلموا انفسهم بالكفر، وأزواجَهم وجميع من على شاكلتهم وما كانوا يعبدون من الاصنام وغيرها من دون الله- فقودوهم الى طريق جهنم، مقرهم الأخير‏.‏

‏{‏وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ‏}‏ عما كاناو يعملون في الدنيا من كفر والحاد وفساد‏.‏ ويقال لهم ‏{‏مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ‏؟‏‏}‏ لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدنيا تفعلون‏!‏ ولكنهم لا يستطيعون عمل شيء وينقادون مستسلمين أمر الله‏.‏ قراءات‏:‏

قرأ حمزة والكسائي‏:‏ بل عجبتُ بضم التاء‏.‏ والباقون‏:‏ بل عبجتَ بفتح التاء‏.‏ وقرأ ابن عامر‏:‏ إذا متنا بهمزة واحدة، والباقون‏:‏ أإذا متنا بهمزتي نعلى الاستفهام‏.‏ وقرأ نافع والكسائي ويعقوب‏:‏ إنا لمبعوثون بهمزة واحدة والباقون‏:‏ أإنا لمبعوثون‏.‏ وقرأ ابن عامر أوْ آباؤنا الأولون‏:‏ بسكون الواو‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏27- 37‏]‏

‏{‏وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ‏(‏27‏)‏ قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ ‏(‏28‏)‏ قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ‏(‏29‏)‏ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ ‏(‏30‏)‏ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ ‏(‏31‏)‏ فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ ‏(‏32‏)‏ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ‏(‏33‏)‏ إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ‏(‏34‏)‏ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ‏(‏35‏)‏ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ‏(‏36‏)‏ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ‏(‏37‏)‏‏}‏

عن اليمين‏:‏ عن جهة الخير، واليمينُ لها عدة معانٍ منها‏:‏ اليد والجهة المقابلة لليسار، والخير وغير ذلك‏.‏ من سلطان‏:‏ من قهر وتسلط‏.‏ طاغين‏:‏ متجاوزين الحدَّ في العصيان‏.‏ فحق علينا‏:‏ فوجب علينا‏.‏ فأغويناكم‏:‏ اضللناكم‏.‏

وبعد ان بيّن الله تعالى أنهم يوم القيامة يندمون عندما يرون العذابَ- ذكر هنا أنهم يُقبلون على بعضهم البعض، ويتلاومون ويتخاصمون، ويسأل بعضهم بعضاً عن مصيرهم السيّئ ويقول التابعون للمتبوعين‏.‏

‏{‏قالوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين‏}‏

قالوا لهم‏:‏ إنكم كنتم تغشوننا وتأتوننا من الناحية التي نظنُّ فيها الخير واليمن، لتصرفونا عن الحق الى الضلال‏.‏

فيرد عليهم الرؤساء بقولهم‏:‏

‏{‏بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ‏}‏

إنا ما أضللناكم بل كنتم أنتم بطبيعتكم مستعدّين للكفر‏.‏

‏{‏فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ‏}‏

وجبض علينا ما قاله الله في أننا لذائقون العذاب في هذا اليوم، وكل ما فعلناه بكم أننا دعوناكم لتكونوا مثلنا فاستجبتم لدعوتنا، فلا لومَ علينا‏.‏ ويومئذ يكون التابعون والمتبوعون في العذاب مشتركين‏.‏

‏{‏إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين‏}‏

هذه سنةُ الله في خلقه، يعطي كل عامل جزاء ما قدّمت يداه‏.‏

ان هؤلاء المجرمين كانوا اذا قيل لهم لا إله الا الله يستكبرون ويقولون‏:‏ أنترك عبادةَ آلهتنا لقول شاعر مجنون‏!‏

ومن ثم يكذّبهم الله تعالى ويّرد عليهم بقوله‏:‏

‏{‏بَلْ جَآءَ بالحق وَصَدَّقَ المرسلين‏}‏

بل جاءهم رسولهم بالحق الذي هو التوحيد الذي دعا اليه جميع الرسل، وصدّق بذلك دعوة المرسَلين الذين جاؤوا قبله‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏38- 49‏]‏

‏{‏إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ ‏(‏38‏)‏ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ‏(‏39‏)‏ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ‏(‏40‏)‏ أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ‏(‏41‏)‏ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ ‏(‏42‏)‏ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ‏(‏43‏)‏ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ‏(‏44‏)‏ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ‏(‏45‏)‏ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ‏(‏46‏)‏ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ‏(‏47‏)‏ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ‏(‏48‏)‏ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ‏(‏49‏)‏‏}‏

بكأس‏:‏ فيه شرابٌ صاف‏:‏ من مَعين‏:‏ من ماءٍ غزير‏.‏ لذة‏:‏ فيها لذة‏.‏ غَوْل‏:‏ ما ينشأ عن الخمر من صداع، وهو الكحول‏.‏ يُنزفون‏:‏ لا تذهب عقولهم بالسُّكر‏.‏ قاصرات الطرف‏:‏ عفيفات‏.‏ عِين‏:‏ عيناء، واسعات العيون جميلات‏.‏ مكنون‏:‏ مصون لا تمسّه الأيدي، والمراد‏:‏ اللؤلؤ‏.‏

يبن الله تعالى هنا أنه لا فائدةَ من هذا الخصام والجدال فالعذابُ واقع بكم جميعا‏.‏

‏{‏وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏

وهذا هو العدل‏.‏‏.‏‏.‏ كل غنسان يلاقي عمله ويجزى به‏.‏

بعد ذلك بيّن الله حال عباده المؤمنين العاملين، وهم في جنات يتمتعون فيها بكل ما لذَّ وطاب من انوع الفواكه، وفوق ذلك اكرامُ الله لهم في ضيافته‏.‏ ويأتيهم ذلك الرزق الكريم وهم جالسون على سُرر متقابلين، يتمتعون بطيّب الحديث، يطوف عليهم الولدان بكأس من أجودِ الشراب في الجنة بألوان مشرقة، لا تورث صُداعاً ولا تُذهب وعيَ شاربيها، ويظلّون في هذا النعيم المقيم‏.‏ ثم بيّن محاسنَ زوجاتهم، لبيان تمام السرور فقال‏:‏

‏{‏وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطرف عِينٌ‏}‏

ولديهم زوجاتٌ عفيفات لا ينظرن الى غير أزواجهن، وهن في غاية الجمال، بيضٌ كأنهن البيض النقيّ المصون‏.‏ والعرب يشبّهون النساء البيض الخُود باللؤلؤ‏.‏ قال الشاعر‏:‏

وبيضةِ خودٍ لا يرام خباؤها‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ *** وقال الشاعر‏:‏

وهي بيضاء مثل لؤلؤة الغوّا *** ص ميزت من جوهرٍ مكنون

ويقول تعالى‏:‏

‏{‏وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللؤلؤ المكنون‏}‏ ‏[‏الواقعة‏:‏ 22- 23‏]‏‏.‏

قراءات‏:‏

قرأ حمزة والكسائي وخلف‏:‏ ينزِفون بكسر الزاي، والباقون‏:‏ يُنْزَفون بفتح الزاي على البناء للمجهول‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏50- 68‏]‏

‏{‏فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ‏(‏50‏)‏ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ‏(‏51‏)‏ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ‏(‏52‏)‏ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ‏(‏53‏)‏ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ‏(‏54‏)‏ فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ‏(‏55‏)‏ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ‏(‏56‏)‏ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ‏(‏57‏)‏ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ‏(‏58‏)‏ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ‏(‏59‏)‏ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ‏(‏60‏)‏ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ‏(‏61‏)‏ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ‏(‏62‏)‏ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ‏(‏63‏)‏ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ‏(‏64‏)‏ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ‏(‏65‏)‏ فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ‏(‏66‏)‏ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ‏(‏67‏)‏ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ ‏(‏68‏)‏‏}‏

قرين‏:‏ صاحب‏.‏ لمدينون‏:‏ لمحاسَبون، لمجزيّون‏.‏ مطلعون‏:‏ مشرفون‏.‏ سواء الجحيم‏:‏ وسط النار‏.‏ لتُردِين‏:‏ لتهلكني‏.‏ لمحضَرين‏:‏ لمسوقين للعذاب‏.‏ نزلا‏:‏ كل ما يهيأ للضيف‏.‏ شجرة الزقوم‏:‏ شجرة كريهة في جهنم‏.‏ فتنة‏:‏ محنة‏.‏ أصل الجحيم‏:‏ قعر جهنم‏.‏ طلعُها‏:‏ ثمرها‏.‏ رؤوس الشياطين‏:‏ في قبح الشياطين، والعربُ تشبه كل قبيح بالشيطان‏.‏ الشوْب‏:‏ الخلط‏.‏ الحميم‏:‏ الحار‏.‏ مرجعهم‏:‏ مصيرهم‏.‏

لا يزال الحديث عن أهل الجنة، فإنهم وهم في متعتهم وسرورهم، يساءلون عن أحوالهم وكيف كانوا في الدنيا‏.‏ قال قائلم منهم‏:‏ كان لي صاحب من المشركين يجادلني في ادين ويقول‏:‏ أإنك لمن الذين يصدّقون بالبعث بعد الموت وبالحساب والجزاء‏!‏‏!‏ وهل بعد ان نموت ونصير تراباً وعظاماً بالية نحيا مرةً لنحاسَب على ما قدّمنا من عمل‏!‏‏!‏‏.‏ فيتطلّع ذلك المؤمن ويدعو اخوانه ان يتطلعوا معه‏.‏

‏{‏فاطلع فَرَآهُ فِي سَوَآءِ الجحيم‏}‏

حينما رآه قال‏:‏ تاللهِ لقد كدتَ تهلكني لو أطعتك على الكفر معك، ولولا نعمةُ ربي بأن هداني للايمان بالله والبعث لكنتُ مثلك من المحضَرين في العذاب‏.‏

ثم يقول لجلسائه تحدثاً بنعمة ربه عليه وعلى مسمعٍ من قرينه‏:‏

‏{‏أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ‏}‏

لقد اجتزنا الامتحان بنجاح والحمد لله، فلا موتَ بعد الموتة الأولى ولا تعبَ بعد اليوم‏.‏

‏{‏إِنَّ هذا لَهُوَ الفوز العظيم لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون‏}‏

وفي معنى هذه الآية يتوضح اكثر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الجحيم فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 56‏]‏‏.‏

اما كيفية رؤية أهل الجنة لأهل النار وبينهم مسافاتٌ شاسعة فإنها من الغيبيات اليت تخالف وضعنا وحياتنا، ونحن لا نعرف كيف تجري احوال الدار الآخرة جميعهان ولا نستطيع فهمها‏.‏

ثم بيّن أحوال أهل جهنم وما يلاقون فيها من العذاب الدائم ليظهر الفرقُ بين أهل النعيم واهل الجحيم، فقال‏:‏

‏{‏أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزقوم‏؟‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏

اهذا الرزقُ الذي ناله أهل الجنة خيرٌ أم حالُ أهلِ النار الذين يأكلون من شجرة الزقوم التي جعلناها فتنةً وبلاء للكافرين‏!‏‏؟‏ والزقّوم شجرةٌ تنبت ف وسط الجحيم، ثمرها قبيح المنظر كريه الصورة كأنه رؤوس الشياطين‏.‏ ومن ثمرها يأكل الكفار‏.‏ وهم يملأون بطونهم منه، فاذا عطشوا وأرادوا شرب الماء، يغاثون بماء حار مشوب باخلاط من جهنم يشوي وجوههم، وتتقطع منه أمعاؤهم، كما قال في سورة الكهف 29 ‏{‏وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كالمهل يَشْوِي الوجوه بِئْسَ الشراب وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً‏}‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏69- 82‏]‏

‏{‏إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ ‏(‏69‏)‏ فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ‏(‏70‏)‏ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ‏(‏71‏)‏ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ ‏(‏72‏)‏ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ ‏(‏73‏)‏ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ‏(‏74‏)‏ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ‏(‏75‏)‏ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ‏(‏76‏)‏ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ‏(‏77‏)‏ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ ‏(‏78‏)‏ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ‏(‏79‏)‏ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ‏(‏80‏)‏ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏81‏)‏ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ ‏(‏82‏)‏‏}‏

يُهرعون‏:‏ يسرعون‏.‏ وتركنا عليه‏:‏ ابقينا لنوحٍ ذكراً جميلا‏.‏

ان هؤلاء الجاحدين وجدوا آباءهم ضاليّن، فاقتفوا آثارهم من غير ان يستعملوا عقولهم، بل مقلّدين غير مستبصرين‏.‏ فهم وآباؤهم صورة من صور الضلال التي يمثلها اكثر الأولين‏.‏ ولقد أرسلنا في هذه الامم الخالية رسُلا ينذرونهم، فكذّبوهم، فانظر كيف كان مآل الذين أنذرَتْهم رسلُنا‏.‏‏.‏ لقد هلكوا فصاروا عِبرةً للأولين والآخرين‏.‏

ولكنْ هناك مؤمنون استخلصهم الله، ففازوا بثوابه‏.‏ ثم يذكر بعد ذلك بعض قصص الأنبياء باختصار للعبرة والذكرى‏.‏

ولقد نادانا نوح حين يئس من قومه، فكنّا له نعم المجيبين، ونجيناه ومن آمن معه من الغرق والطوفان، وجعلنا ذرّيته هم الباقين في الأرض، وتركنا له ذِكراً جميلا في العالم الى يوم القيامة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏83- 99‏]‏

‏{‏وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ‏(‏83‏)‏ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ‏(‏84‏)‏ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ ‏(‏85‏)‏ أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ‏(‏86‏)‏ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ‏(‏87‏)‏ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ‏(‏88‏)‏ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ‏(‏89‏)‏ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ‏(‏90‏)‏ فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ‏(‏91‏)‏ مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ ‏(‏92‏)‏ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ‏(‏93‏)‏ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ‏(‏94‏)‏ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ‏(‏95‏)‏ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ‏(‏96‏)‏ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ‏(‏97‏)‏ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ‏(‏98‏)‏ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ‏(‏99‏)‏‏}‏

من شيعته‏:‏ من جماعته الذين ساروا على منهاجه‏.‏ سليم‏:‏ سالم من جميع العلل والآفات النفسية‏.‏ أئفكاً‏:‏ اكذبا‏.‏ سقيم‏:‏ مريض‏.‏ راغ الى‏:‏ مال اليهم سرا‏.‏ وراغ عليهم‏:‏ مال عيهم ضربا، وراغ لها معان اخرى‏.‏ باليمين‏:‏ بقوة وشدة‏.‏ يزِفّون‏:‏ يسرعون‏.‏

وان من شيعة نوحٍ الذي ساروا على نهجه ابراهيمَ عليه السلام، اذ أقبل على ربه بقلبٍ طاهر خالٍ من كل سوء، وانكر على قومه وأبيه ما يعبدون من الاصنام، وقال لهم‏:‏ اتعبدون آلهةً غير الله كذباً وزورا‏!‏‏.‏

‏{‏فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ العالمين‏}‏ حى تعبدوا غيره من هذه الاصنام‏.‏

‏{‏فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النجوم‏}‏ ليستدل بها على خالق الكون، فوجدها متغيرة متحولة‏.‏

‏{‏فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ‏}‏ من هذ الاحوال ومن عبادة غير الله‏.‏

فأعرض عنه قومه وتركوه‏.‏ فذهب مستخفيا الى اصنامهم وسألهم مستهزئا فقال لهم‏:‏ ‏{‏أَلا تَأْكُلُونَ‏؟‏ مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ‏}‏‏؟‏ لماذا لا تتكلمون‏؟‏‏.‏ فمال عليهم بضربٍ شديد فكسّرهم حتى حطمهم جميعا‏.‏ فأقبل قومه اليه مسرعين يعاتبونه على ما ارتكب في شأن آلهتهم‏.‏ فقال لهم ابراهيم، موبخا لهم‏:‏ أتعبدون ما تنحتونه بأيديكم من حجارة، واللهُ خلقكم وخلقَ ما تصنعون بأيديكم، أين عقولكم‏!‏‏!‏

فلما أعجزتْهم الحيلةُ ولزمتْهُم الحجة قالوا‏:‏ ابنوا له بنيانا، واملأؤه ناراً وألقوه فيها‏.‏ لقد أرادوا ان يحرقوه وينتقموا منه، فأنجاه الله من النار بعد أن ألقوه فيها، ‏{‏فَجَعَلْنَاهُمُ الأسفلين‏}‏‏.‏ وقال ابراهيم لمّا يئس من ايمانهم‏:‏ إني مهاجرٌ إلى ربي، وهو سيهديني إلى الخير والمقر الأمين‏.‏

قراءات‏:‏

قرأ حمزة‏:‏ يزِفون بضم الياء‏.‏ والباقون‏:‏ يَزفون‏.‏ وهما لغتان‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏100- 113‏]‏

‏{‏رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ‏(‏100‏)‏ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ‏(‏101‏)‏ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ‏(‏102‏)‏ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ‏(‏103‏)‏ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ‏(‏104‏)‏ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ‏(‏105‏)‏ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ‏(‏106‏)‏ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ‏(‏107‏)‏ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ ‏(‏108‏)‏ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ‏(‏109‏)‏ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ‏(‏110‏)‏ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏111‏)‏ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ‏(‏112‏)‏ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ ‏(‏113‏)‏‏}‏

فلما بلغ معه السعي‏:‏ فلما أدرك وكبر‏.‏ أسلما‏:‏ استسلما لأمر الله‏.‏ تلّه‏:‏ كبّه على وجهه‏.‏ صدّقت الرؤيا‏:‏ حققت ما طلب منك‏.‏ البلاء المبين‏:‏ الاختبار الواضح‏.‏ بِذبح‏:‏ حيوان يُذبح‏.‏ باركنا عليه‏:‏ أفضنا عليه البركات‏.‏

لا يزال الكلام عن سيّدنا إبراهيم بعد أن نجّاه الله وهاجر الى ربه، وكان وحيداً لم يُرزق ذرية، فاتجه الى ربه يسأله الذريةَ الصالحة، فاستجاب الله دعاءه بقوله‏:‏ ‏{‏فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ‏}‏ هو اسماعيل‏.‏ وكان كما قال تعالى‏:‏ من الصالحين‏.‏ وشبّ وكبر، ولما بلغ مبلغ الرجال قال له أبوه إبراهيم‏:‏ يا بنيّ، إني رأيت في المنام وحياً يطلب مني أن أذبحك تقرباً الى الله، فانظر ماذا ترى‏؟‏‏.‏ فقال اسماعيل‏:‏ يا أبت، افعلْ ما تؤمر به، ‏{‏ستجدني إِن شَآءَ الله مِنَ الصابرين‏}‏‏.‏ فلما استسلما وانقادا لأوامر الله وقضائه، ووضع ابراهيمُ ابنَه على الأرض ليذبحه ‏(‏وبذلك نجح ابراهيم وابنه في الامتحان‏)‏، ناداه الله تعالى ‏{‏أَن ياإبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيآ‏}‏ وحقّقتها فعلا‏.‏ وعلم الله بذلك صِدْق ابراهيم واطاعة ابنه له ولربه‏.‏

‏{‏كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين‏}‏

نجزيهم أحسنَ الجزاء لقاءَ إطاعة اوامرنا، ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها الى مستوى الوفاء‏.‏

ثم بين الله عظيم صبر إبراهيم على امتثال امر ربه مع ما فيه من عظم المشقة فقال‏:‏

‏{‏إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ‏}‏

ما دمت يا ابراهيم قد جُدْتَ بأعزّ شيء عندك، وهو ابنك الوحيد، ‏(‏وما أعظم هذا الابتلاء الذي ابتليناك به أنت وولدك‏)‏ فقد امرنا افتداءه بكبش عظيم‏.‏ واصحبت تلك سُنّةٌ له ولمن جاء بعده، وهي سنة النحر في عيد الأضحى، ذكرى لهذا الحادث العظيم‏.‏

‏{‏وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين‏}‏

وابقينا له الثناءَ والذِكر الحسن على الألسنة الى يوم القيامة، فهو مذكور على توالي الاجيال والقرون‏.‏ ‏{‏سَلاَمٌ على إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين‏}‏‏.‏

سلام عليه من ربه يسجَّل في كتابه الباقي الى يوم الدين‏.‏

وكرر الله قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين‏}‏ على الوفاء والطاعة والاستقامة بالذكر الحسن والسلام والتكريم‏.‏ فانه من عباد الله المؤمنين حقا‏.‏

ثم يتجلى عيله ربه بفضله مرة أخرى فيهبُ له ‏(‏إسحاق‏)‏ في شيخوخته، ويباركه ويبارك ذريته‏:‏ ‏{‏وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وعلى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ‏}‏‏.‏

وفي ذلك تنبيه الى ان النسب لا أثر له في الهدى والضلال، وان الظلم في الأعقاب لا يعود الى الأصول بنقيصة، ‏{‏وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 164‏]‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 15‏]‏ ‏[‏وفاطر‏:‏ 18‏]‏‏.‏

قراءات‏:‏

قرأ حمزة والكسائي‏:‏ ماذا تُرِي بضم التاء وكسر الراء‏.‏ والباقون‏:‏ ماذا ترى‏:‏ بفتح التاء والراء‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏114- 132‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ‏(‏114‏)‏ وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ‏(‏115‏)‏ وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ‏(‏116‏)‏ وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ ‏(‏117‏)‏ وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ‏(‏118‏)‏ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ ‏(‏119‏)‏ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ‏(‏120‏)‏ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ‏(‏121‏)‏ إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏122‏)‏ وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ‏(‏123‏)‏ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ ‏(‏124‏)‏ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ‏(‏125‏)‏ اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ‏(‏126‏)‏ فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ‏(‏127‏)‏ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ‏(‏128‏)‏ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ ‏(‏129‏)‏ سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ‏(‏130‏)‏ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ‏(‏131‏)‏ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏132‏)‏‏}‏

الكرب‏:‏ الشدة‏.‏ المستبين‏:‏ الواضح‏.‏ بعلاً‏:‏ اسم الصنم الذي كانوا يعبدونه‏.‏

في هذه الآيات الكريمة يتحدّث القرآن الكريم عن سيدنا موسى وهارون وإلياس‏.‏ وقد تقدّم الكلام عن موسى اكثر من مرة، وهنا ذُكر باختصار‏.‏ اما الياس فقد ذكر مرة في سورة الانعام بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَزَكَرِيَّا ويحيى وعيسى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصالحين‏}‏ وهنا في عشر آيات‏.‏

والمعنى‏:‏ ولقد تفضلنا على موسى وهارون، ونجّيناهما وقومهما من فرعون وقومه بعد ان كانوا في كرب عظيم من الظلم والاضطهاد، ثم نصرناهم على الكافرين‏.‏ وآتينا موسى وهارون التوراة ذات البيات العظيم ‏{‏وَهَدَيْنَاهُمَا الصراط المستقيم‏}‏ وأبيقنا لهما لاذكر الحسن والثناء الجميل‏.‏

‏{‏سَلاَمٌ على موسى وَهَارُونَ‏}‏

اننا على هذا النحو نكافئ المحسنين، انهما من عبادنا المؤمنين‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ ان الياس من انبياء بني اسرائيل، ويقول بعضهم‏:‏ إنه إدريس الذي جاء ذكره في سورة مريم والأنبياء، فنصح قومه ان يتركوا عبادة صنمهم بعل، ويعبدوا الله، فكذّبوه، فجزاؤهم جهنم يوم القيامة الا قوما منهم أخلصوا العمل لله وأنابوا اليه‏.‏

إل ياسين‏:‏ لغة في الياس‏.‏

قراءات‏:‏

قرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص‏:‏ الله ربكم ورب بالنصب، والباقون بالرفع‏.‏ وقرأ نافع ويعقوب وابن عامر‏:‏ سلام على آل ياسين بمد همزة آل والاضافة‏.‏ والباقون‏:‏ إلْ ياسين‏.‏ فمن قرأ آل ياسين‏:‏ يكون معناه آل محمد، وقال بعضهم آل القرآن‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏133- 148‏]‏

‏{‏وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ‏(‏133‏)‏ إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ ‏(‏134‏)‏ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ‏(‏135‏)‏ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ ‏(‏136‏)‏ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ ‏(‏137‏)‏ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ‏(‏138‏)‏ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ‏(‏139‏)‏ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ‏(‏140‏)‏ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ‏(‏141‏)‏ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ‏(‏142‏)‏ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ‏(‏143‏)‏ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ‏(‏144‏)‏ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ‏(‏145‏)‏ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ‏(‏146‏)‏ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ‏(‏147‏)‏ فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ‏(‏148‏)‏‏}‏

في الغابرين‏:‏ الباقين مع الكافرين‏.‏ مصبحين‏:‏ في وقت الصباح‏.‏ إذ أبقَ‏:‏ هرب من سيده‏.‏ المشحون‏:‏ المملوء‏.‏ فساهَمَ‏:‏ ضرب اهل السفينة القرعة‏.‏ المدحَضين‏:‏ المغلوبين‏.‏ مُليم‏:‏ فَعَلَ ما يستحق عليه اللوم‏.‏ العَراء‏:‏ المكان الخالي‏.‏ يقطين‏:‏ اليقطين‏:‏ كل ما لا ساق له من النبات، وغلب على القرع‏.‏

وقد نجينا لوطاً وأهله إلا امرأته العجوز التي بقيت مع الهالكين، ثم دمّرنا قومه‏.‏ وإنكم يا مشركي قريش لتمرون على أطلال بيوتهم بسَدوم في البحر الميت في طريقكم إلى الشام‏.‏ وقد تقدم ذكرُ لوط في سور الاعراف وهود والعنكبوت‏.‏

‏{‏وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المرسلين‏}‏

إذ يئس من هداية قومه فهرب منهم قبل ان يأذن له الله، وركب في سفينة مملوءة بالمسافرين والامتعة، فوقفت السفينة ولم تتحرك، فقال ركابها‏:‏ ان هنا رجلاً هارباً من سيده‏.‏ فعملوا قرعة بينهم، فخرجت القرعة على يونس، ورمى بنفسه في البحر فالتقمه الحوت‏.‏

‏{‏فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين‏}‏

لولا ذلك لبقي في بطن الحوت الى يوم القيامة‏.‏ فَلَفَظَه بأرض خالية من النبات، وهو سقيم من شدة ما لقي في بطن الحوت‏.‏

‏{‏وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ‏}‏‏.‏

وبعد ان شفي أرسلناه الى اهل نينوى، وهم اكثر من مائة الف، فآمنوا به فمتعناهم الى وقت معلوم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏149- 160‏]‏

‏{‏فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ ‏(‏149‏)‏ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ ‏(‏150‏)‏ أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ‏(‏151‏)‏ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ‏(‏152‏)‏ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ ‏(‏153‏)‏ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ‏(‏154‏)‏ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ‏(‏155‏)‏ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ ‏(‏156‏)‏ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏157‏)‏ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ‏(‏158‏)‏ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ‏(‏159‏)‏ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ‏(‏160‏)‏‏}‏

إفكهم‏:‏ كذبهم‏.‏ اصطفى البنات‏:‏ اختار لنفسه البنات‏.‏ سلطان‏:‏ حجة‏.‏ لمحضَرون‏:‏ لمجلوبين للعذاب‏.‏

اسأل قومك ايها النبي، مؤنّباً لهم، كيف جعلوا له البنات، ولهم البنين‏؟‏ ومن الذي قال ان البنين افضل من البنات‏؟‏ واذا كانت البنات اقل رتبة من البنين كما يزعمون فكيف جعلوا لله البنات واستأثروا لأنفسهم بالبنين‏؟‏ وكل هذا غير وارد، لأن الله تعالى لم يلد ولم يولد‏.‏‏.‏‏.‏ ثم هناك اسطورة اخرى ينفيها الله تعالى وهي قولهم إن الملائكة إناث، فهل شهدوا ولادتهم‏؟‏ ان اكبر فرية لهم قولهم ان الله تعالى له ولد، وهذا من كذبهم الواضح وإفكهم‏.‏ وكيف يختار البنات على البنين‏؟‏ ومثلُ هذا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بالبنين واتخذ مِنَ الملائكة إِنَاثاً‏؟‏ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً‏}‏ ‏[‏الاسراء‏:‏ 40‏]‏‏.‏

‏{‏مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ‏}‏

ماذا أصابكم حين حكمتم بلا دليل، ومن اين تستمدون الدليلَ على الحكم المزعوم‏؟‏ ‏{‏أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ‏؟‏‏}‏ افلا تتذكرون‏.‏‏.‏

ثم زاد في توبيخهم وطالبهم ببرهان يؤيد صحة ما يدّعون بقوله‏:‏

‏{‏أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ‏}‏

هل عندكم حجةٌ واضحة تبرهن على أقوالكم‏؟‏ إذا كان عندكم حجة فأتوا بكتابكم ان كنتم صادقين فيما تقولون وتفترون‏.‏

واكنوا يزعمون ان الملائكة بنات الله، ولدتْهم له الجنّ، ولذلك يردّ الله عليهم كذبهم وافتراءهم وينزه نفسه عن هذا الافك بقوله‏:‏

‏{‏وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجنة نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجنة إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ‏}‏

ان الجانّ يعلمون أنهم محضَرون يوم القيامة للحساب والجزاء‏.‏

‏{‏سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ‏}‏ تنزه الله عما يذكره المفترون‏.‏

ثم يستثنى من الجن الذين يحضَرون للعذاب أولئك المخلصين المؤمنين بقوله‏:‏ ‏{‏إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين‏}‏ فانهم براءُ مما يصفه الكافرون، فهؤلاء المخلصون ناجون يوم القيامة، مكرمون عند الله، يثيبهم على إيمانهم واخلاصهم بأحسن ما كانوا يعملون‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏161- 170‏]‏

‏{‏فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ‏(‏161‏)‏ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ‏(‏162‏)‏ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ‏(‏163‏)‏ وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ‏(‏164‏)‏ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ‏(‏165‏)‏ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ‏(‏166‏)‏ وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ ‏(‏167‏)‏ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ ‏(‏168‏)‏ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ‏(‏169‏)‏ فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ‏(‏170‏)‏‏}‏

بفاتنين‏:‏ بمضلّين، بمفسدين‏.‏ الفتنة‏:‏ الضلال، والعذاب، والفساد‏.‏ صالِ الجحيم‏:‏ داخل في النار‏.‏ وما منّا‏:‏ من كلام الملائكة‏.‏ الصافّون‏:‏ المصطفون للعبادة، وفي أداء الطاعة‏.‏ ذِكرا من الأولين‏:‏ كتابا من كتب الاقدمين‏.‏ المخلَصين بفتح اللام‏:‏ الذين اخلصهم الله لنفسه‏.‏

فانكم ايها المشركون، وما تعبدون من الأصنام لا يمكنكم ان تُضِلُوا أحداً بإغوائكم، الا الضالين مثلكم الذي يدخلون النار ويصْلونها من أصحاب الجحيم‏.‏

ثم حكى الله اعتراف الملائكة بالعبودية لربهم بقوله‏:‏

‏{‏وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ‏}‏

وقالت الملائكة‏:‏ ما أحدٌ منا الا له مقام يقف عنده، وإنا لنحن المصطفّون في أداء طاعته وتنفيذ اوامره، وإنا لنحن المسبِّحون المنزهون لربنا عن النقائص‏.‏

وكان المشركون يقولون‏:‏ لو أن عندَنا كتاباً من كُتب الأولين، لكنّا من عباد الله المخلصين‏.‏ ثم بيّن الله تعالى أنهم كانوا كاذبين في قولهم فقال‏:‏

‏{‏فَكَفَرُواْ بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏}‏ وجاءهم الكتاب، وهو القرآن الكريم، فكفروا به فسوف يعلمون عاقبة كفرهم، وعنادهم وما سيحل بهم من العذاب يوم القيامة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏171- 182‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ‏(‏171‏)‏ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ‏(‏172‏)‏ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ‏(‏173‏)‏ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ‏(‏174‏)‏ وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ‏(‏175‏)‏ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ‏(‏176‏)‏ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ‏(‏177‏)‏ وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ‏(‏178‏)‏ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ‏(‏179‏)‏ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ‏(‏180‏)‏ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ‏(‏181‏)‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏(‏182‏)‏‏}‏

سبقت كلمتنا‏:‏ وعدُنا بالنصر‏.‏ وأبصِرهم‏:‏ انظرهم وارتقب‏.‏ بساحتهم‏:‏ بفناء دارهم، بديارهم‏.‏ تولّ عنهم‏:‏ أعرِض عنهم‏.‏

يقسِم الله تعالى ان وَعْدَه قد سبق ان العاقبة بالنصر لرسُله وأتباعهم، فهم المنصورون، وان جنود الله المخلصين المؤمنين هم الغالبون، فأعرِض عنهم ايها الرسول وانتظر الى وقتٍ مؤجل، فاننا سنجعل لك النصر والظفر، وانتظر ماذا يحل بهم من العذاب ‏{‏فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ‏}‏ ذلك بأنفسهم ويندمون‏.‏

‏{‏أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ‏}‏ فإذا نزل العذاب بديارهم فبئس صباحهم ذلك الصباح، إنه يوم دمارهم وهلاكهم‏.‏ ثم أكدَ ما سبق من وقوع الميعاد فقال مكرراً وعيده لهم‏:‏

‏{‏وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ‏}‏

أعرِض ايها الرسول عنهم، وانظر اليهم فسوف يرون ما يحل بهم من العذاب العظيم‏.‏ ثم يأتي بحسن الختام بكلمات غاية في البلاغة والسهولة والرقة فيقول تعالى‏:‏

‏{‏سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلاَمٌ على المرسلين والحمد للَّهِ رَبِّ العالمين‏}‏‏.‏

ما أجمل هذا الكلام، وما احلاه وما أبلغه، فانه تعليم لنا لنقوله دائما ونتمثل به‏.‏

روي عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‏:‏ «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة يقول في آخر صلاته أو حين ينصرف هذه الآيات الكريمة»، واللهَ نسأل حسن الختام‏.‏

سورة ص

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 11‏]‏

‏{‏ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ ‏(‏1‏)‏ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ‏(‏2‏)‏ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ ‏(‏3‏)‏ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ‏(‏4‏)‏ أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ‏(‏5‏)‏ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ‏(‏6‏)‏ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ ‏(‏7‏)‏ أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ ‏(‏8‏)‏ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ‏(‏9‏)‏ أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ ‏(‏10‏)‏ جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ ‏(‏11‏)‏‏}‏

الذكر‏:‏ الشرف‏.‏ في عزة وشقاق‏:‏ في استكبار ومخالفة للرسول‏.‏ فنادوا‏:‏ فاستغاثوا‏:‏ لاتَ حين مناص‏:‏ ليس الوقت وقتَ مفر وهروب‏.‏ عُجاب‏:‏ امر مفرط في العجب‏.‏ الملّة الآخرة‏:‏ دين آبائنا الذين ادركناهم‏.‏ الملأ‏:‏ اشراف القوم‏.‏ اختلاق‏:‏ كذب‏.‏ فيلتقوا‏:‏ فليصعدوا‏.‏ الأسباب‏:‏ الطرق والوسائل التي يتوصل بها الى الغاية‏.‏ جندٌ ما هنالك‏:‏ جند كثير‏.‏ مهزوم‏:‏ مغلوب‏.‏ الاحزاب‏:‏ المجتمعين لايذاء النبي عليه الصلاة والسلام‏.‏

ص‏:‏ من الحروف التي بدئت بها بعض السور، وتقدّم الكلام عليها اكثر من مرة، وهناك رواية عن ابن عباس انها قسَم‏.‏

اقسم الله تعالى بالقرآن الكريم ذي الشرف والشأن العظيم، إنه لحقُّ لا ريب فيه، وإنك يا محمد لصادق فيما تقول، وان الكافرين لم يعرِضوا عن هذا القرآن لخلل وجدوه فيه، بل هم في استكبار عن اتباع الحق ومعاندة لأهله‏.‏ وكم اهلكنا من قبلهم من جيل، فلما رأوا العذابَ نادوا ربهم مستغيثين، ولكن الوقت ليس وقت خلاص من العذاب‏.‏ وقد عجب الجاحدون أن جاءهم رسول بشر منهم، وقالوا‏:‏ هذا ساحر كذاب، كيف جعل الآلهة كلها الهاً واحدا‏!‏ ان هذا لأمر عجيب‏.‏ وانطلق اشراف القوم منهم قائلين‏:‏ سيروا على طريقتكم واثبتوا على عبادة آلهتكم، انْ هذا إلاَّ أمرٌ عظيم يراد بكم، ما سمعنا بهذا التوحيد في دين آبائنا الذين أدركنا، وما هذا الا كذب لا حقيقة له‏.‏ أأُنزل القرآن على محمد من بيننا، وفينا من هو أعظمُ منه في السيادة‏!‏ بل هم في شك من القرآن لميلهم الى الشرك والتقليد الأعمى، كما انهم لم يذوقوا عذابي بعد، وسيذوقونه‏.‏

وهل عندهم خزائن رحمة الله يتصرفون فيها فيصيبوا بها من شاؤا ويصرفوها عمن أرادوا‏؟‏، ‏{‏الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ‏}‏ ‏[‏الانعام‏:‏ 124‏]‏‏.‏

ام لهم مُلك هذا الوجود‏؟‏ إن كان لهم ذلك فلْيصعدوا في الأسباب التي توصلهم الى مرتقىً يشرفون منه على العالم ويدبّرونه‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ لا تكترث أيها الرسول بما يقولون، فهنالك جند كثيرون من الاحزاب مهزومون ومغلوبون‏.‏ وقد هُزموا بإذن الله‏.‏